فصل: القراءات والوقوف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{النصارى} بالإمالة: أو عمرو وحمزة وعلي وخلف وورش من طريق النجاري، والخراز عن هبيرة، وكذلك كل راء بعدها ياء. وروى قتيبة بكسر الصاد والراء، وكذلك قوله: {سكارى} و{أسارى} و{يوارى} و{أوارى} كلها بإمالة ما قبل الألف {والصابئين} بغير همزة: أبو جعفر ونافع وحمزة في الوقف وإن شاء لين الهمزة.

.الوقوف:

{عند ربهم} ز لنوع عدول عن إثبات إلى نفي مع اتفاق الجملتين. و{يحزنون} o {الطور} ط لأن التقدير: قلنا لكم خذوا {تتقون} o {من بعد ذلك} ج لأن لولا للابتداء وقد دخل الفاء فيه {الخاسرين} o {خاسئين} o ج للآية والعطف بالفاء {المتقين} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال أبو حيان:

قوله تعالى: {إنّ الذين آمنوا والذين هادوا} الآية.
نزلت في أصحاب سلمان، وذلك أنه صحب عبادًا من النصارى، فقال له أحدهم: إن زمان نبي قد أظل، فإن لحقته فآمن به.
ورأى منهم عبادة عظيمة، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم، ذكر له خبرهم وسأله عنهم، فنزلت هذه الآية، حكى هذه القصة مطوّلة ابن إسحاق والطبري والبيهقي.
وروي عن ابن عباس أنها نزلت في أوّل الإسلام، وقدر الله بها أن من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، ومن بقي على يهوديته ونصرانيته وصابئيته، وهو مؤمن بالله واليوم الآخر، فله أجره، ثم نسخ ما قدر من ذلك بقوله: {ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه} وردّت الشرائع كلها إلى شريعة محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال غير ابن عباس: ليست بمنسوخة، وهي فيمن ثبت على إيمانه بالنبي صلى الله عليه وسلم.
وروى الواحدي، بإسناد متصل إلى مجاهد، قال: لما قص سلمان على النبي صلى الله عليه وسلم قصة أصحابه، وقال له هم في النار، قال سلمان: فأظلمت عليّ الأرض، فنزلت إلى {يحزنون}، قال: فكأنما كشف عني جبل.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها: أنه لما ذكر الكفرة من أهل الكتاب، وما حل بهم من العقوبة، أخبر بما للمؤمنين من الأجر العظيم، دالًا على أنه يجزي كلًا بفعله، والذين آمنوا منافقوا هذه الأمّة، أي آمنوا ظاهرًا، ولهذا قرنهم بمن ذكر بعدهم، ثم بين حكم من آمن ظاهرًا وباطنًا، قاله سفيان الثوري أو المؤمنون بالرسول.
ومن آمن: معناه من داوم على إيمانه، وفي سائر الفرق: من دخل فيه، أو الحنيفيون ممن لم يلحق الرسول: كزيد بن عمرو بن نفيل، وقيس بن ساعدة، وورقة بن نوفل، ومن لحقه: كأبي ذر، وسلمان، وبحيرا.
ووفد النجاشي الذين كانوا ينتظرون المبعث، فمنهم من أدرك وتابع، ومنهم من لم يدركه، والذين هادوا كذلك، ممن لم يلحق إلا من كفر بعيسى، على نبينا وعليه الصلاة والسلام، والنصارى كذلك، والصابئين كذلك، قاله السدّي أو أصحاب سلمان، وقد سبق حديثهم، أو المؤمنون بعيسى قبل أن يبعث الرسول، قاله ابن عباس، أو المؤمنون بموسى، وعملوا بشريعته إلى أن جاء عيسى فآمنوا به وعملوا بشريعته، إلى أن جاء محمد، قاله السدي عن أشياخه، أو مؤمنوا الأمم الخالية، أو المؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله من سائر الأمم.
فهذه ثمانية أقوال في المعنى بالذين آمنوا. اهـ.

.قال الألوسي:

{إِنَّ الذين ءامَنُواْ} لما انجر الكلام إلى ذكر وعيد أهل الكتاب قرن به ما يتضمن الوعد جريًا على عادته سبحانه من ذكر الترغيب والترهيب وبهذا يتضح وجه توسيط هذه الآية وما قبلها بين تعداد النعم، وفي المراد ب {الذين ءامَنُواْ} هنا أقوال، والمروي عن سفيان الثوري أنهم المؤمنون بألسنتهم، وهم المنافقون بدليل انتظامهم في سلك الكفرة والتعبير عنهم بذلك دون عنوان النفاق للتصريح بأن تلك المرتبة وإن عبر عنها بالإيمان لا تجديهم نفعًا ولا تنقذهم من ورطة الكفر قطعًا، وعن السدي أنهم الحنيفيون ممن لم يلحق الرسول صلى الله عليه وسلم كزيد بن عمرو بن نفيل وقس بن ساعدة وورقة بن نوفل ومن لحقه كأبي ذر وبحيرى ووفد النجاشي الذين كانوا ينتظرون البعثة، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنهم المؤمنون بعيسى قبل أن يبعث الرسول صلى الله عليه وسلم، وروى السدي عن أشياخه أنهم المؤمنون بموسى إلى أن جاء عيسى عليهما السلام فآمنوا به، وقيل: إنهم أصحاب سلمان الذين قَصّ حديثهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: «هم في النار» فأظلمت الأرض عليه كما روى مجاهد عنه فنزلت عند ذلك الآية إلى: {يَحْزَنُونَ} قال سلمان: فكأنما كشف عني جبل، وقيل: إنهم المتدينون بدين محمد صلى الله عليه وسلم مخلصين أو منافقين واختاره القاضي وكأن سبب الاختلاف قوله تعالى فيما بعد: {مَنْ ءامَنَ}. إلخ. فإن ذلك يقتضي أن يكون المراد من أحدهما غير المراد من الآخر وأقل الأقوال مؤنة أولها. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أن القراءة المشهورة: {هَادُواْ} بضم الدال وعن الضحاك ومجاهد بفتح الدال وإسكان الواو والقراءة المعروفة الصابئين والصابئون بالهمزة فيهما حيث كانا وعن نافع وشيبة والزهري والصابين بياء ساكنة من غير همز، والصابون بباء مضمومة وحذف الهمزة، وعن العمري يجعل الهمزة فيهما، وعن أبي جعفر بياءين خالصتين فهما بدل الهمزة، فأما ترك الهمزة فيحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون من صبا يصبو إذا مال إلى الشيء فأحبه، والآخر: قلب الهمزة فنقول: الصابيين والصابيون والاختيار الهمز لأنه قراءة الأكثر وإلى معنى التفسير أقرب لأن أهل العلم قالوا: هو الخارج من دين إلى دين، واعلم أن عادة الله إذا ذكر وعدًا أو وعيدًا عقبه بما يضاده ليكون الكلام تامًا فههنا لما ذكر حكم الكفرة من أهل الكتاب وما حل بهم من العقوبة أخبر بما للمؤمنين من الأجر العظيم والثواب الكريم دالًا على أنه سبحانه وتعالى يجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته كما قال: {لِيَجْزِىَ الذين أَسَاءواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيِجْزِى الذين أَحْسَنُواْ بالحسنى} [النجم: 31] فقال: {إِنَّ الذين ءامَنُواْ} واختلف المفسرون في المراد منه، وسبب هذا الاختلاف قوله تعالى في آخر الآية: {مَنْ ءامَنَ بالله واليوم الآخر} فإن ذلك يقتضي أن يكون المراد من الإيمان في قوله تعالى: {إِنَّ الذين ءامَنُواْ} غير المراد منه في قوله تعالى: {مَنْ ءامَنَ بالله} ونظيره في الإشكال قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ ءامِنُواْ} [النساء: 136] فلأجل هذا الإشكال ذكروا وجوهًا، أحدها: وهو قول ابن عباس.
المراد الذين آمنوا قبل مبعث محمد بعيسى عليهما السلام مع البراءة عن أباطيل اليهود والنصارى مثل قس بن ساعدة، وبحيرى الراهب وحبيب النجار وزيد بن عمرو بن نفيل وورقة بن نوفل وسلمان الفارسي وأبي ذر الغفاري ووفد النجاشي فكأنه تعالى قال: إن الذين آمنوا قبل مبعث محمد والذين كانوا على الدين الباطل الذي لليهود والذين كانوا على الدين الباطل الذي للنصارى كل من آمن منهم بعد مبعث محمد عليه السلام بالله واليوم الآخر وبمحمد فلهم أجرهم عند ربهم، وثانيها: أنه تعالى ذكر في أول هذه السورة طريقة المنافقين ثم طريقة اليهود، فالمراد من قوله تعالى: {إِنَّ الذين ءامَنُواْ} هم الذين يؤمنون باللسان دون القلب وهم المنافقون، فذكر المنافقين ثم اليهود والنصارى والصابئين فكأنه تعالى قال: هؤلاء المبطلون كل من أتى منهم بالإيمان الحقيقي صار من المؤمنين عند الله وهو قول سفيان الثوري، وثالثها: المراد من قوله: {إِنَّ الذين ءامَنُواْ} هم المؤمنون بمحمد عليه الصلاة والسلام في الحقيقة وهو عائد إلى الماضي، ثم قوله تعالى: {مَنْ ءامَنَ بالله} يقتضي المستقبل فالمراد الذين آمنوا في الماضي وثبتوا على ذلك واستمروا عليه في المستقبل وهو قول المتكلمين. اهـ.
قال الفخر:
أما قوله تعالى: {والذين هَادُواْ} فقد اختلفوا في اشتقاقه على وجوه:
أحدها: إنما سموا به حين تابوا من عبادة العجل وقالوا: {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} [الأعراف: 156] أي تبنا ورجعنا، وهو عن ابن عباس.
وثانيها: سموا به لأنهم نسبوا إلى يهوذا أكبر ولد يعقوب وإنما قالت العرب بالدال للتعريب، فإن العرب إذا نقلوا أسماء من العجمية إلى لغتهم غيروا بعض حروفها.
وثالثها: قال أبو عمرو بن العلاء: سموا بذلك لأنهم يتهودون أي يتحركون عند قراءة التوراة.
وأما النصارى ففي اشتقاق هذا الاسم وجوه:
أحدها: أن القرية التي كان ينزلها عيسى عليه السلام تسمى ناصرة فنسبوا إليها وهو قول ابن عباس وقتادة وابن جريج.
وثانيها: لتناصرهم فيما بينهم أي لنصرة بعضهم بعضًا.
وثالثها: لأن عيسى عليه السلام قال للحواريين من أنصاري إلى الله، قال صاحب الكشاف: النصارى جمع نصران يقال رجل نصران، وامرأة نصرانة والياء في نصراني للمبالغة كالتي في أحمري لأنهم نصروا المسيح.
أما قوله تعالى: {والصابئين} فهو من صبأ إذا خرج من دينه إلى دين آخر، وكذلك كانت العرب يسمون النبي عليه السلام صابئًا لأنه أظهر دينًا بخلاف أديانهم وصبأت النجوم إذا أخرجت من مطلعها.
وصبأنا به إذا خرجنا به، وللمفسرين في تفسير مذهبهم أقوال.
أحدها: قال مجاهد والحسن: هم طائفة من المجوس واليهود لا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم.
وثانيها: قال قتاد: هم قوم يعبدون الملائكة ويصلون إلى الشمس كل يوم خمس صلوات.
وقال أيضًا: الأديان خمسة منها للشيطان أربعة وواحد للرحمن: الصابئون وهم يعبدون الملائكة، والمجوس وهم يعبدون النار، والذين أشركوا يعبدون الأوثان، واليهود والنصارى.
وثالثها: وهو الأقرب أنهم قوم يعبدون الكواكب، ثم لهم قولان:
الأول: أن خالق العالم هو الله سبحانه، إلا أنه سبحانه أمربتعظيم هذه الكواكب واتخاذها قبلة للصلاة والدعاء والتعظيم.
والثاني: أن الله سبحانه خلق الأفلاك والكواكب، ثم إن الكواكب هي المدبرة لما في هذا العالم من الخير والشر والصحة والمرض، والخالقة لها فيجب على البشر تعظيمها لأنها هي الآلهة المدبرة لهذا العالم ثم إنها تعبد الله سبحانه، وهذا المذهب هو القول المنسوب إلى الكلدانيين الذين جاءهم إبراهيم عليه السلام رادًا عليهم ومبطلًا لقولهم، ثم إنه سبحانه بين في هذه الفرق الأربعة أنهم إذا آمنوا بالله فلهم الثواب في الآخرة ليعرف أن جميع أرباب الضلال إذا رجعوا عن ضلالهم وآمنوا بالدين الحق فإن الله سبحانه وتعالى يقبل إيمانهم وطاعتهم ولا يردهم عن حضرته ألبتة، واعلم أنه قد دخل في الإيمان بالله الإيمان بما أوجبه، أعني الإيمان برسله ودخل في الإيمان باليوم الآخر جميع أحكام الآخرة، فهذان القولان قد جمعا كل ما يتصل بالأديان في حال التكليف وفي حال الآخرة من ثواب وعقاب. اهـ.

.قال الألوسي:

{والذين هَادُواْ} أي تهودوا يقال: هاد وتهود إذا دخل في اليهودية، ويهود إما عربي من هاد إذا تاب سموا بذلك لما تابوا من عبادة العجل، ووجه التخصيص كون توبتهم أشق الأعمال كما مر، وإما معرب يهوذا بذال معجمة وألف مقصورة كأنهم سموا بأكبر أولاد يعقوب عليه السلام، وقرئ {هَادُواْ} بفتح الدال أي مال بعضهم إلى بعض.
{والنصارى} جمع نصران بمعنى نصراني، وورد ذلك في كلام العرب وإن أنكره البعض كقوله:
تراه إذا دار العشيّ محنفا ** ويضحي لديه وهو نصران شامس

ويقال في المؤنث نصران كندمان وندمانة قال سيبويه وأنشد:
كما سجدت نصرانة لم تحنف

والياء في نصراني عنده للمبالغة كما يقال للأحمر أحمري إشارة إلى أنه عريق في وصفه، وقيل: إنها للفرق بين الواحد والجمع كزنج وزنجي، وروم ورومي، وقيل: النصارى جمع نصرى كمهرى ومهارى حذفت إحدى ياءيه وقلبت الكسرة فتحة للتخفيف فقلبت الياء ألفًا وإلى ذلك ذهب الخليل، وهو اسم لأصحاب عيسى عليه السلام، وسموا بذلك لأنهم نصروه، أو لنصر بعضهم لبعض، وقيل: إن عيسى عليه السلام ولد في بيت لحم بالقدس ثم سارت به أمه إلى مصر ولما بلغ اثني عشر سنة عادت به إلى الشام وأقامت بقرية ناصرة، وقيل: نصرايا، وقيل: نصرى، وقيل: نصرانة، وقيل: نصران وعليه الجوهري فسمي من معه باسمها، أو أخذلهم اسم منها.
والصابئين هم قوم مدار مذاهبهم على التعصب للروحانيين واتخاذهم وسائط ولما لم يتيسر لهم التقرب إليها بأعيانها والتلقي منها بذواتها فزعت جماعة منهم إلى هياكلها، فصابئة الروم مفزعها السيارات، وصابئة الهند مفزعها الثوابت، وجماعة نزلوا عن الهياكل إلى الأشخاص التي لا تسمع ولا تبصر ولا تغني عن أحد شيئًا.
فالفرقة الأولى: هم عبدة الكواكب، والثانية: هم عبدة الأصنام وكل من هاتين الفرقتين أصناف شتى مختلفون في الاعتقادات والتعبدات، والإمام أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه يقول: إنهم ليسوا بعبدة أوثان وإنما يعظمون النجوم كما تعظم الكعبة، وقيل: هم قوم موحدون يعتقدون تأثير النجوم ويقرون ببعض الأنبياء كيحيى عليه السلام، وقيل: إنهم يقرون بالله تعالى ويقرءون الزبور ويعبدون الملائكة ويصلون إلى الكعبة، وقيل: إلى مهب الجنوب، وقد أخذوا من كل دين شيئًا، وفي جواز مناكحتهم وأكل ذبائحهم كلام للفقهاء يطلب في محله، واختلف في اللفظ فقيل غير عربي، وقيل عربي من صبأ بالهمز إذا خرج أو من صبا معتلًا بمعنى مال لخروجهم عن الدين الحق وميلهم إلى الباطل، وقرأ نافع وحده بالياء وذلك إما على الأصل أو الإبدال للتخفيف.
{مَنْ ءامَنَ بالله الآخر وعَمِلَ صالحا} أي أحدث من هذه الطوائف إيمانًا بالله تعالى وصفاته وأفعاله والنبوات، وبالنشأة الثانية على الوجه اللائق، وأتى بعمل صالح حسبما يقتضيه الإيمان بما ذكر، وهذا مبني على أول الأقوال، والقائلون بآخرها منهم من فسر الآية بمن اتصف من أولئك بالإيمان الخالص بالمبدأ والمعاد على الإطلاق سواء كان ذلك بطريق الثبات، والدوام عليه كإيمان المخلصين، أو بطريق إحداثه، وإنشائه كإيمان من عداهم من المنافقين، وسائر الطوائف، وفائدة التعميم للمخلصين مزيد ترغيب الباقين في الإيمان ببيان أن تأخرهم في الاتصاف به غير مخل بكونهم أسوة لأولئك الأقدمين، ومنهم من فسرها بمن كان منهم في دينه قبل أن ينسخ مصدقًا بقلبه بالمبدأ والمعاد عاملًا بمقتضى شرعه، فيعم الحكم المخلصين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، والمنافقين الذين تابوا، واليهود والنصارى الذين ماتوا قبل التحريف والنسخ والصابئين الذين ماتوا زمن استقامة أمرهم إن قيل: إن لهم دينًا، وكذا يعم اليهود والصابئين الذين آمنوا بعيسى عليه السلام وماتوا في زمنه، وكذا من آمن من هؤلاء الفرق بمحمد صلى الله عليه وسلم.
وفائدة ذكر {الذين آمنوا} على هذا مع أن الوعيد السابق كان في اليهود لتسكين حمية اليهود بتسوية المؤمنين بهم في أن كون كل في دينه قبل النسخ: يوجب الأجر وبعده: يوجب الحرمان، كما أن ذكر الصابئين للتنبيه على أنهم مع كونهم أبين المذكورين ضلالًا يتاب عليهم إذا صح منهم الإيمان والعمل الصالح، فغيرهم بالطريق الأولى وانفهام قبل النسخ من {وَعَمِلَ صالحا} إذ لا صلاح في العمل بعده، وهذا هو الموافق لسبب النزول لاسيما على رواية أن سلمان رضي الله تعالى عنه ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم حسن حال الرهبان الذين صحبهم، فقال: «ماتوا وهم في النار» فأنزل الله تعالى هذه الآية، فقال عليه الصلاة والسلام: «من مات على دين عيسى عليه السلام قبل أن يسمع بي فهو على خير، ومن سمع ولم يؤمن بي فقد هلك».
والمناسب لعموم اللفظ وعدم صرفه إلى تخصيص الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى بالكفرة منهم وتخصيص {مَنْ ءامَنَ} الخ بالدخول في ملة الإسلام، إلا أنه يرد عليه أنه مستلزم أن يكون للصائبين دين، وقد ذكر غير واحد أنه ليس لهم دين تجوز رعايته في وقت من الأوقات ففي (الملل والنحل) أن الصبوة في مقابلة الحنيفية، ولميل هؤلاء عن سنن الحق وزيغهم عن نهج الأنبياء قيل لهم: الصابئة، ولو سلم أنه كان لهم دين سماوي ثم خرجوا عنه، فمن مضى من أهل ذلك الدين قبل خروجهم منه ليسوا من الصابئين فكيف يمكن إرجاع الضمير الرابط بين اسم إن وخبرها إليهم على القول المشهور وارتكاب إرجاعه إلى المجموع من حيث هو مجموع قصدًا إلى إدراج الفريق المذكور فيهم ضرورة أن من كان من أهل الكتاب عاملًا بمقتضى شرعه قبل نسخه من مجموع أولئك الطوائف بحكم اشتماله على اليهود والنصارى وإن لم يكن من الصابئين مما يجب تنزيه ساحة التنزيل عنه؟ا على أن فيه بعد ما لا يخفى فتدبر.
و{من} مبتدأ، وجوّزوا فيها أن تكون موصولة والخبر جملة قوله تعالى: {فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ} ودخلت الفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط كما في قوله تعالى: {إِنَّ الذين فَتَنُواْ} [البروج: 0 1] الآية، وأن تكون شرطية وفي خبرها خلاف هل الشرط، أو الجزاء، أو هما؟ وجملة {مَنْ ءامَنَ} الخ خبر {إن} فإن كانت {مِنْ} موصولة وهو الشائع هنا احتيج إلى تقدير منهم عائدًا، وإن كانت شرطية لم يحتج إلى تقديره إذ العموم يغني عنه كأنه قيل: هؤلاء وغيرهم إذا آمنوا {فَلَهُمْ} الخ على ما قالوا في قوله تعالى: {إِنَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} [الكهف: 0 3] وجوّز بعضهم أن تكون {مِنْ} بدلًا من اسم {إن} وخبرها {فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ} واختار أبو حيان أنها بدل من المعاطيف التي بعد اسم {إن} فيصح إذ ذاك المعنى، وكأنه قيل: إن الذين آمنوا من غير الأصناف الثلاثة، ومن آمن من الأصناف الثلاثة {فلهم} إلخ.
وقد حملت الضمائر الثلاثة باعتبار معنى الموصول، كما أن إفراد ما في الصلة باعتبار لفظه، وفي البحر إن هذين الحملين لا يتمان إلا بإعراب {مِنْ} مبتدأ، وأما على إعرابها بدلًا فليس فيها إلا حمل على اللفظ فقط فافهم.
ثم المراد من الأجر الثواب الذي وعدوه على الإيمان والعمل الصالح، فإضافته إليهم واختصاصه بهم بمجرد الوعد لا بالاستيجاب كما زعمه الزمخشري رعاية للاعتزال لكن تسميته أجرًا لعدم التخلف، ويؤيد ذلك. اهـ.